فلنهتمّ بتقبّل طبيعتنا وفيها مع الألم ملايين كنوز
[ما الأسهل
ليس السؤال الوحيد...
اهتموا بما الأثرى... وما الأجمل... وما الأعدل... وما
الأرحم... وما الأفضل؟!]
(علاء عبد الفتاح)
هكذا قرأتُ على
الأسطوانة قبل ساعتين من عرض "توحّد"
النغم لمصطفى
سعيد
وأداء مجموعة
أصيل للموسيقى الفصحى العربية المعاصرة.
وخلال العرض
أبصرتُ النور وتجرّأتُ للمرّة الأولى إغماض عينيّ ومن حولي أناس كثر.
[تحدد عوارض
التوحد بضعف في التفاعل الاجتماعي وضعف في التواصل،
واهتمامات وأنماط سلوكية مقيدة
ومتكررة.]
هكذا عرّف كتيّب
"توحّد" التوحّد.
التوحّد في
مظهره كئيب غريب وفي منعطفاته المعنى العميق، معنى الحياة وابنها الإنسان.
في مجتمع تخنقه
المظاهر والواجبات،
كم نحن بحاجة للوحدة مع أنفسنا والغوص في أعماقنا واكتشاف
رغباتنا وطاقاتنا اللامتناهية.
في مجتمع
يربّينا على ثقافة "الضحية ولوم الإله"، لا بدّ لنا من وقفة مع قرارنا
والمصير.
"لماذا أنا
يا أيها الإله؟" ليس السؤال الصحيح... فلنهتمّ بتقبّل طبيعتنا وفيها مع الألم
ملايين كنوز.
في مجتمع ارتبطت
موسيقاه بدرجة أولى بالحبّ، وكأن لا معضلة في حياتنا سواه،
دخل علينا مصطفى وفرقته
أصيل ليعودوا بنا من الضياع إلى أرض الحقيقة.
الألم في حياتنا
واقعٌ لا إختياريّ وقضيّتنا الأساسية لا بدّ وأن تتركّز في أن نخلق وبإرادتنا من
ضعفنا قوّة.
ما من وما يقوى علينا وفي شراييننا قدراتٌ فنية.
لطالما سمعنا أن
في التفوّق المدرسي والشهادات الرسمية خلاصنا وضمان مستقبلنا
فهل من أحد يخبرنا
ولو بالصدفة بأن في الفن هويّتنا واستقرارنا!
يفرح بعض الأهل
عندما يعزف أبناؤهم أوّل أغنية أو أنشودة روحية
معتقدين أن أهمية الموسيقي تقتصر
على وقوفه مع آلته أمام الناس، يقودهم بأغنية فيعتلي سلّم الشهرة والنجاح.
في مجتمع تخنقه
مظاهر الشهرة وتناقضات التفوّق ومغريات المال،
نفتقد الثقة الحقيقية بأنفسنا
وبملكاتنا الداخلية الغنيّة.
تتخطّى الموسيقى
حدود الآخر لتشكّل الذات نواتَها الأصلية.
تتخطّى الموسيقى
حدود الأغنية لتشكّل التجرية وحبّ الاكتشاف أبعادها الحقيقيّة.
في الاتحاد مع الذات
غنى للفرد وللجماعة وانغماس في كلّ ما هو أصيل.
بينما في التفتيش عن الأسهل
والأكثر تداول إنزلاق فرديّ وجماعي نحو الإفلاس المعنويّ والفنيّ.
أفتّش باستمرار
عن كلّ عرض يشبع فيّ حاجتي إلى ما هو فريد ومتميّز وأصيل.
في نغم
"توحّد" اتّحد مصطفى سعيد مع أعماق نفسه وخرج منها بما يطيب لنا من
مشاعر وتفاعلات وابتكارات.
اتّحد موسيقيّو "أصيل" مع نغم مصطفى فمنحهم
فرصة التفاعل مع آلاتهم بشكل استثنائي غريب وجميل.
شعرتُ خلال العرض
بأنّي في حضرة اثني عشر حالة من التوحّد، تتفاعل بعمق فيما بينها لتخلق فيّ حالة من
السلام والسكينة فشعرت بالانتماء إلى الزمان والمكان وإلى الحالة.
تهيّأ لي بأنّني
أمام مجموعة من الأطفال يلهون بألعابهم ولشدّة رغبتهم في المعرفة تتفكّك الألعاب
بين أيديهم محاولين اكتشاف تفاصيلها وأسرار حياة "آلة".
أشعلت فيّ
"أصيل" البارحة حبّ اكتشاف الآلة وتوظيف كامل إمكانياتها في قضية تعبيري
عن مشاعري، عن أفراحي ومعاناتي.
الموسيقي تقنيّ
بارع ولطالما شهدنا في معاهدنا نقص في برنامج التقنية.
يختار مصطفى
مرافقيه وحارسي نغماته من أصدقاء التقنية المتينة الحاضرة.
أمس تبارز المبدعون على
آلاتهم وكان كلّ منهم قائد نفسه والآخرين.
هي القيادة فنّ
تألّقت به "أصيل" البارحة كما تألّقت وتتألق دوما أوركسترا طلاب القسم
الشرقي في المعهد الوطني العالي للموسيقى،
وقائدها فادي يعقوب.
القيادة هي فنّ
امتلاك الذات ومعرفة الآخرين.
القيادة هي أمّ
التقنيات والإبداع.
خلال أمسية
أوركسترا الطلاب مساء الثلاثاء
شعرتُ بأنّي في حضرة حالة من تقمّس فرد لعازفين كثر
وعازفات، لملحّنين وشعراء، لموزّعين، لنحّاتين ومصوّرين، بالمختصر لمجموعة من
عظماء.
القيادة هي عظمة
التقمّس.
طغى على مشاعري
حضور فادي القائد وما زلت أعاني حتى اللحظة من عوارض المتعة والدهشة من تأثير
الإتقان والإبداع في نفسي.
يقف القائد
لأكثر من ساعة محرّكا طائرةً طاقمُها من طلاب المعهد المتميّزين وركّابها نحن.
يخطىء الطالب من وقت لآخر والراكب يسهو أحيانا في عالمه ورؤياه فيما القائد مجنّد
باللحظة وعلى عاتقه إدارة الطاقم والوصول بأمانة وأمان إلى برّ الإبداع. (الفيديو أسفل الصفحة)
أصيلٌ فادي في أمانته
إلى قضية المواهب والإبداع، يحتضننا ويشعل فينا الثقة بالنفس والرغبة بالتواصل مع ذواتنا
والسير قدما في تحقيق أحلامنا.
أمين فادي في
حمل راية الموسيقى عاليا باعتبارها الخلاص.
متميّز فادي في
اعتناقه فنّ الإيجابية في التعامل مع ذاته والآخرين. هو الذي شقّ بصعوبة فائقة طريق
احترافه منح ويمنح طلابه الكثير من وقته وخبرته لنعبر طريقنا أسرع مركّزين على
الهدف لا على العقبات.
في عرض
"توحّد" لم يغب عن نظري وتفكيري ذلك القائد وطلابه. هو الفكر الموسيقيّ
المثقّف نفسه يحلّق عاليا.
نتمرّس فنمتلك تقنيات الموسيقى المتنوعة، نسمع ونحفظ
فنغرف من مخزون شعوبنا على مرّ العصور،
وهكذا نصبح أدوات طيّعة لتجربة كلّ أصيل جديد.
لا تقل لي كم
مرة تعتلي المنبر أو المسرح بل قل لي كم مرّة تتمرّن وتسعى لتتثقّف، فأقول لك من
أنت ومن أنا.
التقنية
والثقافة والفكر الإيجابي المتحرّر عناصر أساسية في عالم الفنّ والموسيقى.
الوحدة حضن
الإبداع.
قل لي كم من
ساعة تختلي بنفسك وبفكرك وطاقاتك أقول لك من أنت ومن أنا.
قمر عمري
واليوم 13 أيار
2016 (29/7)
اروع ماقرأت في هذا الصباح .....آسف لم اقرأ ....انا استمتعت بعزفك علي مشاعري وحسي ...تمنيت ان املك ولو ربع قدرتك هذا التوحد الفني الشامل الذي يتملكك...برافوا قمر
ردحذفيسعدلي صباحك وأوقاتك كلّها. شكرااااااا يا صبري الأمين دائما أبدا في متابعتك وتفاعلك وتشجيعك واختيارك أحلى الكلام
حذف